"لوبوف ياروش".. جدة أوكرانية تتمنى أن يطول عمرها لترى انتصار بلادها
"لوبوف ياروش".. جدة أوكرانية تتمنى أن يطول عمرها لترى انتصار بلادها
رغم تجاوز عمرها حاجز المئة، إلا أنها ما زالت تشعر بأنها مفعمة بالحياة، تجلس الجدة لوبوف ياروش على أريكة داخل منزلها بقرية خودوركيف الأوكرانية، تفكك خيطًا تلو الآخر، فهي تجهز بلا كلل الشباك المموهة التي سوف يستخدمها الجنود على الجبهات في قتالهم ضد العدوان الروسي.
ورغم أنها تجد صعوبة في الرؤية والسمع، إلا أن الجدة لوبوف ياروش تعمل بكل ما أوتيت من قوة في مسعى لدعم الجنود الأوكرانيين، متمنية أن يطول عمرها لترى انتصار أوكرانيا، وفق موقع دويتشه فيله الألماني.
ولدت لوبوف ياروش عام 1920 في قرية بوستيلنيكي بمنطقة زيتومير شمالي أوكرانيا، فيما كانت عائلتها في ذاك الوقت في وضع ميسور الحال، فكانت تمتلك دواجن وخنازير وأبقارا وخيولا، بيد أن القوات السوفيتية صادرت ما تمتلكه العائلة لضم ذلك إلى ما عُرف في حينه بـ"المزارع الجماعية" أو المؤسسات الزراعية الكبيرة الخاصة بالنظام الشيوعي.
وعندما وقعت مجاعة "هولودومور" كانت لوبوف ياروش في عامها الثالث عشر.
الموت جوعاً
تتذكر ياروش ما وقع في فترة الهولودومور، قائلة: "لم يكن ما نملكه من خبز قديم كافيا، ولم نستطع شراء أو إعداد خبز جديد، حاولنا زراعة بعض البطاطس بتقشيرها لتبقى البراعم سليمة فلم يكن لدينا ما نأكله".
وتابعت أنه في ذلك الوقت حاول البعض البقاء على قيد الحياة من خلال طحن أزهار الزيزفون وعشبة القراص وصنع بعض الكعك، مضيفة "كنا نصنع من الفجل مشروبا ساخنا يشبه الشاي، وعندما وجدنا بعض القمح قمنا بعمل بعض الحساء وشعرنا ببعض الاسترخاء".
وقد أدى سوء التغذية إلى إصابة ياروش بالورم حتى إنها لم تتمكن من المشي، فيما كان يحملها والدها عند الخروج من المنزل، فضلا عن أنها كانت تعاني من هلوسة بسبب فظاعة ما عاصرته خلال تلك الفترة.
أطفال يموتون في البيوت
وقالت ياروش، إن العديد من الأطفال ماتوا في تلك الفترة جراء الجوع، مضيفة: "كان الأطفال يموتون في المنازل، فيما كان الرجال الذين ما زالوا يتمتعون ببعض القوة ينتقلون من منزل إلى آخر، ويرون الأطفال قد لقوا حتفهم داخل منازلهم، فقاموا بجمع جثث الأطفال على عربة وكانوا قرابة 10 أطفال أو أكثر ثم دفنوهم معا".
كانت أسرة ياروش تتألف من 5 أشقاء، فيما جرى القبض على الشقيق الأكبر من قبل دورية عندما كان يسعى إلى الذهاب إلى قرية أخرى للبحث عن بعض الفجل لأسرته.
وتقول ياروش إن شقيقها تعرض للضرب حتى وافته المنية، فيما توفيت شقيقتها الصغرى بسبب الجوع.
وذكرت أن والدها اضطر إلى دفنهما وحده بدون أن يساعده أي شخص، مضيفة "كانت لدينا مقبرة قريبة للغاية، حمل والدي شقيقي الأكبر وقام بدفنه، كان المنظر مرعبا، فشقيقي وشقيقتي البالغة من العمر 4 سنوات بلا ملابس وبلا توابيت، لقد دفنا عراة، وقد وجد والدي قطعة قماش وقام بلف جثة شقيقتي بها".
وأشارت ياروش إلى نفوق جميع الأبقار التي جرت مصادرتها ووضعها في مزارع جماعية في ذلك الوقت، بسبب عدم قيام أي شخص بالاعتناء بها، مضيفة أنه لم يُسمح للأوكرانيين بأخذ الأبقار النافقة لتناول لحومها رغم اشتداد المجاعة.
وقالت، بل إن الجنود الشيوعيين عمدوا حتى إلى تسميم الحيوانات، مضيفة أن "الأوكرانيين على مدى عقود التزموا الصمت حيال هذه الفظائع خوفا من الزج بهم في السجون".
الحرب الروسية
وقد كتب للفتاة ياروش النجاة من مجاعة هولودومور، لكن حظها كان سيئا، إذ سرعان ما اندلعت الحرب العالمية الثانية، فيما تمكنت من الفرار مرتين من النازيين، الذين سعوا إلى ترحيلها إلى ألمانيا لاستغلالها في معسكرات العمل بالسخرة.
وعن ذلك قالت: "جرى إرغامي على السفر إلى ألمانيا ولكنني هربت، وفي المرة الثانية، حاول الجنود أخذي بعيدا عن المنزل، لكني أمسكت بسكين وقمت بجرح نفسي حتى لا يأخذني الجنود إلى ألمانيا".
وعندما بدأت الحرب العالمية الثانية، عملت ياروش، وكانت شابة في ذاك الوقت، في إحدى المزارع الجماعية التي كان يديرها الشيوعيون، حيث كانت تعمل في صناعة الخشب وتحديدا في نشارة الخشب.
ومرة أخرى تعاصر الحرب، لكن هذه المرة وقد تقدمت بالسن وتجاوز عمرها مئة عام، بعد أن بدأت روسيا التوغل العسكري في أوكرانيا أواخر فبراير الماضي.
وفي هذا السياق، قالت ياروش "هذه أسوأ حرب، لا أحد يتمنى وقوع مثل هذه الحرب".
3 أحفاد على الجبهة
وعقب اندلاع الحرب، تطوع 3 من أحفاد ياروش للقتال إلى جانب القوات الأوكرانية في الخطوط الأمامية فيما لم تكن الجدة ياروش تجلس بلا عمل، بل كانت تعمل على تجهيز الشباك المموهة.
وقالت الجدة الأوكرانية، البالغة من الأعوام 102، إنها أرسلت 9 شباك ليستخدمها الجنود الأوكرانيين، مضيفة "يستخدم الجنود هذه الشباك للاختباء من القوات الروسية".
وفي كل يوم، تقف ياروش أمام منزلها تنتظر عودة أحفادها، فيما يحدوها الأمل أن تعيش اليوم الذي تعاصر فيه انتصار أوكرانيا في حربها ضد روسيا.
وفي ذلك قالت، "نتضور جوعا وعانينا من البرد ويبدو أن معاناتنا لن تتوقف، وننتظر تحقيق الانتصار، وأرغب في أن يطول عمري حتى أرى هذا الانتصار".
قصة الهولودومور
يذكر أنه بين عامي 1932 و1933، سقط نحو 3.5 مليون أوكراني ضحايا للـ"هولودومور"، التي تعني بالأوكرانية "الإبادة بالتجويع"، التي ارتكبها النظام الستاليني، بمصادرته المحاصيل باسم تشارك الأراضي.
في بداية عام 1931، جرى ترحيل عشرات الآلاف من المثقفين الأوكرانيين إلى سيبيريا، وكان بينهم شعراء وكتاب وفنانون بارزون، فيما لم يبدأ النقاش بشكل عام في أوكرانيا بشأن فظائع هولودومور إلا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في تسعينيات القرن الماضي.
وكان عام 2016 قد شهد إقدام البرلمان الأوكراني على تصنيف هولودومور "إبادة جماعية"، إذ يقول مؤرخو أوكرانيا إن ما يقرب من 4 ملايين شخص قد لقوا حتفهم جراء المجاعة في ثلاثينيات القرن الماضي.
ويوم الأربعاء، 30 نوفمبر 2022، صوّت البرلمان الألماني (البوندستاغ)، على الاعتراف بالهولودومور كإبادة جماعية بعد طلب من 4 كتل برلمانية، هي الكتل الثلاث للائتلاف الحاكم المكون من الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي)، إضافة إلى كتلة المعارضة المحافظة الممثلة بالاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي.